القائمة الرئيسية

الصفحات

الشريم في خطبة الجمعة... العفة خُلُق رفيع ينبغي أن يتحلى به كل من أراد أن يخطم شهواته ورغباته

 


ألقى فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور سعود بن إبراهيم الشريم خطبة الجمعة مبتدئاً بحمد الله والثناء عليه، واستهل فضيلته الخطبة قائلاً: لقد خلق الحكيم الخبير الرجل والمرأة، وجبلهما على غرائز تخص كلا منهما وغرائز يشتركان فيها من ميل أحدهما إلى الآخر، وحد لذلك الميل حدودا محكمة محاطة بسياج منيع يحفظ به عرض كل واحد منهما باعتباره حقا لا يجوز اعتراضه ولا سلبه، وجعل الله هذا العرض إحدى الضرورات الخمس التي أجمعت الملل على حفظها وفي مقدمتها ملة الإسلام.

وأردف الشريم أن الرامق ببصره في واقع المجتمعات اليوم إبان تزاحم خانق لنوازل الحياة والمتطلبات الاجتماعية، ليجد ظاهرة ضاربة بأوتادها في أوساطهم بين مقل منها ومكثر، إنها ظاهرة منغصة، وآفة مفسدة شغلت أذهان ذوي العلم والتربية والحقوق، واستنفرت همم أهل الاختصاص الأمني والعدلي، وأشعلت وسائل التواصل الاجتماعية والإعلامية في كثير من المجتمعات بين شجبها وتسبيبها وطرح الحلول لها، إنها ظاهرة جديرة بالعناية الجادة، والاهتمام العميق للسيطرة عليها والزم عن الوقوع في أتونها وسوء مغبتها، إنها ظاهرة التحرش بالأعراض وما أدراكم ما التحرش.

وأضاف فضيلته التحرش عباد الله: هو الاعتداء على الطرف الآخر رجلا كان أو امرأة بالإشارة أو الإيماء بغمز أو نظرة فاحصة لجسم المتحرش به، أو ملامسته أو التلفظ عليه صراحة أو كناية بما يدل على الرغبة في ارتكاب ما يهتك عرضه وشرفه بإشباع المعتدي عواطفه وغرائزه تجاه المتحرش به.

والتحرش بهذا المفهوم: جريمة خبيثة وظاهرة عالمية ماثلة يوليها كل مجتمع اهتماما بالغا ودراسة فاحصة لإيجاد العلاج الناجع لها والنظام الرادع؛ نظرا لتسارع شيوعها في أماكن المجتمعات العامة والخاصة، حتى إنها لتمتد مخالبها في بعض المجتمعات إلى أن تطال محارم المتحرش نفسه أعاذنا الله وإياكم من ذلك، والتحرش عباد الله : ليس مختصا بالمرأة وحسب وإن كان هو الغالب في الواقع، بل إنه يكون بالرجال أيضا، وربما تجاوزهما ليصل إلى الصبيان والأطفال.

وأبان الشريم بأن التحرش رقية الزنا، وهو صيال غريزي وتخمة شهوانية في المتحرش ناتجة عن خطأ الجنسين كليهما حين يكون أحدهما في الأماكن العامة لا يبالي بحقوق الآخرين، وربما كان بهيئة خارجة عن حدود الاعتدال الأخلاقي تأخذ بلب الطرف الآخر فتجره إليه بخطام الفتنة بعد أن كان يسير وشأنه لا يلوي على شيء من ذلكم، وتلكم الهيئة: تعد دون ريب نوع تحرش وإن لم ينطق به لسان المتحرش أو لسان المتحرشة، ثم إن التحرش على ما ذكر ليس بمعف المتحرش به عن المسؤولية، إن كان قد بدر منه ما يستجلب تحرش الآخرين به، كما أنه في الوقت نفسه ليس مبررا للمتحرش غلطته التي قام بها، فإن لكل من الاثنين ما اكتسب من الغلط، والتبعة الكبرى في ذلكم تكون على المتسبب منهما.

ومثل ذلكم التحرش يجب التصدي له ودفعه قبل أن يقع، من خلال إذكاء حرمة العرض وأثر العفاف على دين المسلم ودنياه وسلامة مجتمعه لئلا يبغي أحد على أحد، وكذلكم رفعه بعد حدوثه بإنزال العقوبة الرادعة على مرتكبه، ولا يستخف بإيماءات التحرش أو يستهونها من استحضر حرمة عرضه وعرض غيره، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا، أدرك ذلك لا محالة، فزنا العين النظر، وزنا اللسان المنطق، والنفس تمنى وتشتهي، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه " متفق عليه.

وإن من تكامل شريعة الإسلام عدم معارضتها عقلا صحيحا، بل إنها تلجأ إلى المحاورة العقلية إذا لزم الأمر، وكان الإقناع من خلالها أمضى من مجرد إملاء النص على المتلقي دون استيعاب حكمه ودلالته، فإن المتحرش لو تأمل مليا لاستحضر أن لمن تحرش بها أخا مثله وأبا مثله وزوجا مثله، ولو تأملت المتحرشة كذلكم لاستحضرت أن لمن تحرشت به أختا مثلها وأما مثلها وزوجة مثلها، فقد جاء شاب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ائذن لي بالزنا! فأقبل القوم عليه فزجروه، وقالوا: مه مه! فقال: "ادنه"، فدنا منه قريبا، قال: فجلس، قال: "أتحبه لأمك؟"، قال: لا والله، جعلني الله فداءك، قال: "ولا الناس يحبونه لأمهاتهم"، قال: "أفتحبه لابنتك؟"، قال: لا والله يا رسول الله، جعلني الله فداءك، قال: "ولا الناس يحبونه لبناتهم"، قال: "أفتحبه لأختك"، قال: لا والله، جعلني الله فداءك، قال: "ولا الناس يحبونه لأخواتهم"، قال: "أفتحبه لعمتك؟"، قال: لا والله، جعلني الله فداءك، قال: "ولا الناس يحبونه لعمَّاتهم"، قال: "أفتحبه لخالتك"، قال: لا والله، جعلني الله فداءك، قال: "ولا الناس يحبونه لخالاتهم"، قال: فوضع يده عليه، وقال: "اللهم اغفر ذنبه، وطهر قلبه، وحصِّن فَرْجَه"، فلم يكن بعد - ذلك الفتى - يلتفت إلى شيء؛ رواه أحمد بإسناد صحيح.

واستهل فضيلته الشيخ الدكتور سعود الشريم خطبته الثانية قائلاً: إن العفة خلق منشود، حض عليه رب العباد في محكم تنزيله فقال (وَليسْتعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله).

أي: ليطلب العفة عن الحرام حتى يغنيه الله.

والعفة خُلُقُ رفيع ينبغي أن يتحلى به كل من أراد أن يخطم شهواته ورغباته عن أن تخبط خبط العشراء حتى لا يقع المرء فيما لا تحمد عقباه، ألا فليتق الله كل مسلم ومسلمة وليستحضروا في نفوسهم حدود الله لئلا يعتدوها.

وأشار الشريم أنه وجب على كل مسلم ومسلمة عباد الله أن يعظما عرض كل واحد منهما، وأن يحترما الذوق العام ومشاعر الآخرين المبنية على الانضباط في مجامع الناس التي تشترك فيها الحقوق العامة والخاصة، وحذار حذار أن يورد الممرض على المصح، أو أن يقترب الفراش من النبراس والحرير من الشرر، (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون) (وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها).


تعليقات