استهل فضيلته إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ الدكتور أحمد بن طالب خطبته، لصلاة الجمعة في المسجد النبوي، اليوم قائلا: أيها المؤمنون في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة، وعنه صلى الله عليه وسلم لما سئل أي الأعمال أفضل؟ قال: إن الإيمان بالله وحده، ثم الجهاد، ثم حجة مبرورة تفضل سائر الأعمال ما بين مطلع الشمس إلى مغربها، وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه، فمغفرة الذنوب بالحج ودخول الجنة به مرتب على كون الحج مبرورا، وإنما يكون مبروراً باجتماع أعمال البر واجتناب أفعال الإثم فيه، فأما أعمال البر فأجلها الإحسان إلى الناس وصلتهم بكل خير، وفي الجملة فخير الناس أنفعهم للناس، وأصبرهم على أذى الناس.
وأضاف فضيلته أنه من أعظم معاني البر في الحج: فعل الطاعات كلها من الإيمان بالله وإقام الصلاة وإيتان الزكاة وصوم رمضان وحج بيت الله الحرام، فإن أركان الإسلام بعضها مرتبط ببعض، فلا يكمل الإيمان والإسلام حتى يؤتي بها كلها، ولا يكمل بر الحج بدون الوفاء بالعهود في المعاقدات والمشاركات المحتاج إليها في سفر الحج وإيتاء المال المحبوب، لمن يحب الله إيتاءه، ويحتاج مع ذلك إلى الصبر على ما يصيبه من المشاق في السفر.
فهذه خصال البر ومن أهمها للحاج إقام الصلاة، فمن حج من غير إقام الصلاة لا سيما إن كان حجه متطوعا به كان بمنزلة من سعى في ربح درهم وضيع رأس ماله وهو ألوف كثيرة، وقد كان السلف يواظبون في الحج على نوافل الصلاة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يواظب على قيام الليل على راحلته في أسفاره كلها ويوتر عليها، ومن أعظم أنواع البر في الحج كثرة ذكر الله تعالى فيه، وقد أمر الله تعالى بكثرة ذكره في إقامة مناسك الحج مرة بعد أخرى.
واستهل فضيلته خطبته الثانية قائلاً: اعلموا أم من عجز عن عمل خير تأسف عليه، وتمنى حصوله كان شريكاً لفاعله في أصل الأجر دون المضاعفة، فإنها تختص بالعامل، فمن هنا كان أرباب الهمم العالية لا يرضون بمجرد هذه المشاركة، ويطلبون أن يعملوا أعمالا تقاوم الأعمال التي عجز عنها ليفوزوا بثواب يقاوم ثواب تلك الأعمال، ويضاعف لهم كما يضاعف لأولئك فيستووا هم وأولئك العمال في الأجر كله، قد كان بعض من يقعد عن الجهاد من امرأة وضعيف في عهد النبي صلى الله عليه وسلم يسأله عن عمل يعدل الجهاد، وكان منهم من إذا تخلف عن الغزو اجتهد في مشاركة الغزاة أجرهم، فإما أن يخرج مكانه رجلا بماله، وإما أن يعين غازيا، وإما أن يخلفه في أهله بخير، فإن من فعل هذا كله فقد غزا، فسبحان من فضل هذه الأمة، وفتح لها على يدي نبيها نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم أبواب الفضائل الجمة، فما من عمل عظيم يقوم به قوم ويعجز عنه آخرون، إلا وقد جعل الله عملا يقاومه أو يفضل عليه ، فتتساوى الأمة كلها في القدرة عليه، فلما كان الجهاد أفضل الأعمال ولا قدرة لكثير من الناس عليه كان الذكر الكثير الدائم يساوي ويفضل عليه إلا من خرج بنفسه وماله ولم يرجع منهما بشيء، ولما كان الحج من أفضل الأعمال والنفوس تتوق إليه، لما وضع الله في القلوب من الحنين إلى ذلك البيت المعظم، وكان كثير من الناس يعجز عنه، ولا سيما كل عام، شرع الله لعباده أعمالا يبلغ أجرها أجر الحج فيتعوض بذلك العاجزون عن التطوع بالحج.
تعليقات
إرسال تعليق