القائمة الرئيسية

الصفحات

إمام المسجد الحرام: الدنيا دار العمل والآخرة دار الجزاء فمن لم يعمل هنا ندم هناك

 


 أمّ المسلمين اليوم لصلاة الجمعة في المسجد الحرام معالي الشيخ الدكتور صالح بن عبدالله بن حميد إمام وخطيب المسجد الحرام.

وبعد أن حمد الله تبارك في علاه وأثنى عليه استهل خطبته قائلاً: أيها المسلمون: يقول بعض أهل العلم إن من أعظم المواقف الواعظة إفاقةَ المحُتضَر عند موته . فقد قالوا : إنه ينتبه انتباهاً لا يوصف ، ويقلق قلقاً لا يُحد ، ويتلهف على ما مضى من زمانه، ويتمنى لو تُرِك ليرجعَ ويتداركَ ما فاته، ويصدقَ في توبته ، لأنه يعاني من الموت ما يعاني، ويكاد يقتل نفسه أسفا وحسرة .
معاشر الإخوة : الموتى انتهت فرصهم في الحياة ، وقد عاينوا الآخرة ، عرفوا ما لهم ، وما عليهم ، أدركوا أنهم كانوا في نعم فهل حفظوها ، وفي أوقات فهل أحسنوا العمل فيها ، وأي حسرة وأي ندامة هم الآن فيها.
كانوا يعيشون بين الورى فأصبحوا تحت الثرى ، كانوا في الوجود، ثم صاروا إلى اللحود، رهائنَ أعمالهم لا يطلقون ، وغرباءَ سفر لا يعودون .
وهذه هي حال الدنيا، وهذه حال أهلها ، وحال من فارقها .
ولكن ها هنا وقفة مع مسألة عجيبة ، وحال غريبة بُسطت في الكتاب والسنة ، مسألة تتحدث عن مواقف لهؤلاء الأموات فيها العظة والعبرة والدرس، بل فيها المبادرة والمسارعة لمن وفقه الله وأعانه.
نعم -حفظكم الله- الأموات انتقلوا من عالم الغيب إلى عالم الشهادة، عاينوا الجنة وشاهدوا النار ، رأوا ملائكة الله، وعرفوا حقيقة الدنيا ، وحقيقة الآخرة.
وأيقنوا وهم في البرزخ أنهم سيبعثون ليوم عظيم، يومٍ يقوم فيه الناس لرب العالمين.
اقرأوا كتاب ربكم، وانظروا في سنة نبيكم محمد -صلى الله عليه وسلم- لتعرفوا هذه المسألة، وتتعرفوا على هذه القضية ، إنها أمنيات الموتى.

وبيّن معاليه أن كل الموتى يتمنون لو رجعوا إلى الدنيا : الصالحون وغير الصالحين .
أما الصالحون فيتمنون المزيد من العمل الصالح لما يرون من الكرامات ، والدرجات ، وعظيم النعيم .
وأما المقصرون فيتمنون الرجوع ليستدركوا ويستعتبوا .
فالموتى -رحمنا الله وإياهم- ، وعفا عنا وعنهم، منهم الصالحون ، ومنهم المقصرون ، روى الترمذي في جامعه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ما من أحد يموت إلا ندم ، قالوا : وما ندامته يا رسول الله ؟ قال : إن كان محسنا ندم ألا يكون ازداد ، وإن كان مسيئا ندم ألا يكون نزع .
أما الصالحون – جعلنا الله وإياكم منهم – فَأُوْلى الأمنيات حين تُحمل الجنازة على الأعناق فيقول الرجل الصالح : عجلوني عجلوني ، قدموني قدموني ، وإن كانت غير صالحة قالت : يا ويلها أين يذهبون بها ، أخروني أخروني ، يسمع صوتها كلُّ شيء إلا الإنسان ، ولو سمعها الإنسان لصعق . أخرجه البخاري من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

وأوضح معالي الشيخ ابن حميد أنّ هناك أموات تجري عليهم أجورهم وهم في قبورهم ، ففي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال : ( إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية ، أو علم ينتفع به بعده ، أو ولد صالح يدعو له)
ومن سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة . رواه مسلم من حديث جرير بن عبد الله رضي الله عنه.
ويا حسرة من مات ولم تمت ذنوبه معه، فهو يتمنى العودة إلى الدنيا ليتخلص مما اقترفته يداه ، ليس البكاء على النفس إذا ماتت، ولكن البكاء على التوبة إذا فاتت.

وأكد معاليه أثناء الخطبة بأن الأموات يحتاجون إلى الدعاء والصدقة وقضاء الديون والحج والعمرة وغيرها .
وإذا كان ذلك كذلك فلا تزال أرواحكم في أجسادكم، فاستكثروا من الطاعات، وجدوا في عمل الصالحات، واحذروا السيئات .
ها أنتم في الدنيا فأطيعوا الله ورسوله ، وأصلحوا أعمالكم، وأصلحوا ذات بينكم، فما هي إلا أيام وتلاقون اعمالكم، وتواجهون بما كسبتم.
الدنيا دار العمل، والآخرة دار الجزاء، فمن لم يعمل هنا، ندم هناك، وكل يوم يعيشه المرء غنيمة .
احذروا زلة القدم، وطولَ الندم، واغتنموا الوجود قبل العدم، فأي حسرات تلحق صاحب الأمنيات، وأي ندامات تعصر قلب أهل الغفلات.

وفي الخطبة الثانية بيّن معاليه فضائل هذه البلاد، حيث قال: نسأل الله سبحانه أن يحفظ هذه البلاد المباركة بلاد الحرمين الشريفين المملكةَ العربية السعودية في إيمانها ، وأمنها ، وعقيدتها ، وقيادتها.
بلاد مقدسة أمنة مطمئنة ، دولة مباركة ، وعت مسؤليتها ، وقامت بوظائفها ، وعلا أمرها ، وتوحدت كلمتها ، والتقت على الدين والخير والمعروف مسالكها ، فشاع الأمن في الربوع ، وتوثقت أخوة الإسلام ، وقامت شعائر الدين.
الإسلام شعارها في رايتها ، والشريعة نظامها في حياتها ، أخذت بالجديد المفيد ، والترقي الراقي بثقة ، ووعي ووضوح .
بلاد طاهرة يقصدها المسلمون بجموعهم بقلوبٍ الإيمان يعمرُها، والحنين والشوق يغمُرها، تسارع الخطى، وتغذ السير رجالاً وركبانا، ترجو المغفرة بدموع منهمرة .
بلاد مباركة ما فتئت تبذل الغالي والنفيس لله قربة، وللحجاج والعمار والزوار وكل قاصدي الحرمين الشريفين خدمة .
بلاد اجتمعت عليها القلوب بعد الفرقة، وحملت راية العز، ومشعل الهداية، قبلة الدين، وقبلة المسلمين.
دولة عظيمة ذات شعور تام بمسؤوليتها الدولية في الدفاع عن الإسلام ، وبيان منهجه في المحافل الدولية ، والتحفظ على كل ما يعارضه ، وخدمةِ المسلمين والدفاعِ عن حقوقهم ، وبذلِ المستطاع في عونهم ومساعدتهم وإغاثتهم، والتعاون مع دول الإسلام وشعوبه، ودول العالم كافة في كل ما يحقق الخير والصلاح للبشرية، وتحقيق مبادئ العدل، وترسيخ قواعد الصلاح والإصلاح، وكل ما فيه خير للإنسانية .

تعليقات