أمّ المسلمين اليوم لصلاة الجمعة في المسجد النبوي الشريف فضيلة الشيخ أحمد بن طالب إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف.
وبعد أن حمد الله تبارك في علاه استهل خطبته قائلاً: إن أحداً من الناس مهما علا فضله، واتسع علمه وكمل عقله لا يستطيع أن يحيط بمحاسن رسول الله، ولا أن يستقصي أنواع كماله، وألوان جماله صلى الله عليه وسلم، بل كلهم عاجز عن التعبير عن تلك المعاني المحمدية، والصفات المصطفوية.
والله أمر العباد بالإيمان برسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يكون ذلك إلى بمعرفة فضله، وما أسبغ الله عليه من الكمالات النفسية، وأولاه من الآداب الكريمة الرضية، وما وهبه من الخُلق العظيم، والخَلق الحسن الكريم، فجعل جوهره الكريم عالياً على سائر الأفراد والأجناس، بحيث لا يقاس بغيره من الناس،كيف وقد خصه ربه بأنواع الاختصاص، رباه بعنايته، ورعاه برعايته، فآواه وهداه وأغناه، ووهبه التمكين، لتلقي الوحي عن رب العالمين.
والله تبارك وتعالى أمر العباد باتباع نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم- وجعله آية محبتهم لله ورسوله فقال عز وجل (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم)
وكان حب الصحابة رضوان الله عليهم لنبيهم يحملهم على تتبع عاداته فضلا عن غيرها، وحب النبي -صلى الله عليه وسلم- واجبٌ فوق محبة النفس و الآباء والأبناء والأزواج والعشيرة، والتجارة والأموال، ولا ريب أن أسباب المحبة ترجع إلى أنواع الجمال والكمال والنوال، التي اجتمعت في مجمع صفات الكمال، ومحاسن الخصال، من أبدع الله تعالى صورته العظيمة وهيئته الكريمة، وطوى فيه أنواع الحسن والبهاء والطهر والنقاء.
وإن الله خلق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في أجمل صورة بشرية، وأكمل خلقة آدمية، وأجمعت كلمة واصفيه أنه لم يُر له مثيل سابق ولا نظير لاحق، فقد كان أحسن الناس خَلقا وخُلقا، فلم ير شيئ قط قبله ولا بعده أحسن منه ولا مثله صلى الله عليه وسلم، فهو أجود الناس صدراً، وأصدقهم لهجة، وألينهم عريكة، وأكرمهم عشرة، من رآه بديهة هابه، ومن خالطه معرفة أحبه، إذا صمت فعليه الوقار، وإذا تكلم سما وعلاه البهاء، حلو المنطق، كلامه فصل لا نزر ولا هذر،كأن منطقه خرزات نظم يتحدرن، أبهى الناس وأجمله من بعيد، وأحسنه من قريب، لا تشنؤه عين من طول، ولا تقتحمه عين من قصر، غصن بين غصنين، فهو أنضر الناس منظراً،
وأحسنهم قداً، إذا قال استمع لقوله، وإذا أمر ابتدر لأمره، محفود محشود، لا عابس ولا مفند، وكان رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم
منير الوجه مشرق المحيا، يتلألؤ بالنور الباهر، والضياء الزاهر، والبهاء الظاهر. لو رأيته لرأيت الشمس طالعه، فخم مفخم يتلألؤ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر.
وقد زاد الله في جمال خلق هذا النبي الكريم حتى اعتلى ذروة الخلق الحسن القويم، وكان مع ما سبق من جماله متجملاً، فكانت له حلة يلبسها للعيدين والجمعة، وخرج ذات يوم إلى إخوانه فنظر في كوز من ماء إلى لمته أي شعره وهيئته وقال: ((إن الله جميل يحب الجمال، إذا خرج أحدكم إلى إخوانه فليتهيأ في نفسه))
وأكمل فضيلته: وأما صوته صلى الله عليه وسلم فكان غاية في الحسن والإسماع، حسن النغمة في صحل كالبحه، في غير حدة، وإذا خطب أسمع العواتق من خدورهن، وكانت أم هانئ رضي الله عنها: تسمع قراءته في جوف الليل عند الكعبة وهي على سريرها.
حلو المنطق حسن الكلام، إذا تكلم أخذ بمجامع القلوب، وسبى الأرواح والعقول، ويُرىى كالنور يخرج من بين ثناياه.
وفي الخطبة الثانية أوضح فضيلة الشيخ أحمد بن طالب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أوسع الناس علماً، وأعظمهم فهماً، أفاض الله عليه العلوم النافعة الكثيرة، والمعارف العالية الوفيرة، فهو أعرف الخلق بالله، وأتقاهم له، بل هو أكثر الأنبياء علماً، وأشجعهم قلباً، وخرج ذات يوم فصعد المنبر فقال: سلوني، لا تسألوني عن شيء إلا بينته لكم، ومع ذلك كله فقد أمره الله أن يسأله الزيادة في العلم دائماً أبداً، قال تعالى: (وقل رب زني علما).
وكان من يقظة قلب النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أن كان خلقه القرآن، يغضبُ لغضبه، ويرضى لرضاه، لم يكن فاحشاً ولا متفحشاً، ولا صخاباً في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح، وما دعاهُ أحد من أصحابه، ولا من أهلِ بيته، إلا قال لبيك.
بعثهُ اللهُ بشيراً ونذيرًا، لا يقول الخنا، وفتح بهِ أعيُنًا عمياء، وآذانًا صمّاء، وقلوبًا غلفا، وسدده بكل أثرٍ جميل، ووهب لهُ كل خلقٍ جليل، وجعل السكينة لباسه، والبر شعاره، والتقوى ضميره، والحكمة منطقه، والصدق والوفاء طبيعته، والعفو والمعروف خلقه، والحقّ شريعته، والعدل سيرته، والهدى إمامه، والإسلام ملته، وأحمد اسمه، فعرف الله به بعد النكره وكثر به بعد القلة، وأغنى به بعد العيلة، وجمع به بعد الفرقة، واستنقذ بهِ فئاماً من الناس عظيمًا من الهلكة، وجعل أمتهُ خير أمةٍ أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، موحدين مؤمنين، مخلصين مصدّقين بماء جاءت به الرسل.
كان -صلى الله عليه وسلم- أشدّ الناس لطفًا، وما سأله سائلاً قط إلا أصغى إليه، فلا ينصرف حتى ينصرف السائل، ولا تناول أحد يده قط الا ناوله إياها، فلا ينزع حتى يكون الرجل هو الذي ينزعها منه، وكان ينبسط مع الأهل وذوي القربى،كريم العشرة حسن المعاملة مع زوجاته وسائر أهله يلاطفهن ويمازحهن ويعاملهن بالود والإحسان.
وكان -صلى الله عليه وسلم- أطلق النّاسِ وجهًا، وأكثرهم تبسمًا، وأحسنهم بِشرا، يرد التحيّة بأحسنَ منها، ويرحبّ بالقادم عليه، ويسألُ عن حالِ أصحابه، ويكرم كرام القوم، ويباسطُ جلساءه ويوسع لهم، ويتبسم حين يلقى أصحابه وحين يُحدثهم، وكان -صلى الله عليه وسلم- يلاطفُ الصبيان، ويكافئُ الكرام، ويُقابل الإحسان بأجمل إحسان، يتفقد أصحابه، ويحفظ الود، ويحتفظ بالعهد، ويصدق الوعد.
تعليقات
إرسال تعليق